صيحةُ الآجالِ
يا شامُ ما مرَّ النعيمُ ببالي
إلا استباحَ الياسمينُ خيالي
وجرى بهِ بردى وباحَ بسرّهِ
في جنّتيكِ فشاعَ بينَ غلالي
وعلى الطريقِ المستقيمِ مشى بهِ
ورمى بكلّ مُذبذَبٍ محتالِ
فإذا أنا بينَ النجومِ وبُردتي
من سُندسٍ والشمسُ بينَ ظلالي
وإذا على بابِ السلامِ أميرةٌ
سفَرَت محاسنُها بغيرِ مِثالِ
الوجهُ ينبوعُ الحياةِ تظاهرَت
بهِ جنّةٌ من فتنةٍ وجمالِ
والعينُ سبحانَ الذي سَبَكَ السنا
وسجى بهِ ليلاً وكنزَ لآلي
تتقلّبُ الأبصارُ دونَ بهائها
فترى القلوبُ مظاهرَ الإجلالِ
والقدُّ مئذنةُ الضياءِ مصونةً
عن كلّ شيطانٍ وصبٍّ سالِ
رقصَت حواليها النجومُ وداعبت
خُصُلاتِها فتبسَّمت كهلالِ
خطرَت كأسرارِ الوجودِ مهابةً
وَلطَافةً وتمايلَت كغَزالِ
ومشى لمِشيتها الوجودُ ودندَنَت
نغمَ الأساورِ رنَّةُ الخلخالِ
نزلت مفاتنُها عليَّ كأنَّها
خطَراتُ وحيٍ أو دبيبُ وِصالِ
لم تتلُ بابلُ سحرَها يوماً ولا
بلغت معانيها العقولُ بحالِ
هي كلُّ ما في الكَونِ من وَلَهٍ وما
في كلِّ قلبٍ نزعَةٌ لكَمَالِ
هيَ غيرُ ما للناظِرينَ وإن بَدَت
للعاشقينَ خفيّةَ الترحالِ
فصبوا لها عن كلّ قاعٍ صفصَفٍ
واستقبلوها كعبةَ الآمالِ
هي روحُ سوريّا وسرُّ وجودِها
وبها استقامت هيئةُ الصلصالِ
ولها تسامى قاسيونُ منارةً
هشّت أشعّتها على الآزالِ
نبذَت قرابينَ الضلالِ وأشرَقَت
في وجنتيها شامةُ الأبدالِ
وسَعَت بأنوارِ المسيحِ مُدَامةً
عبقَت بحبِّ المصطفى والآلِ
لم يدْرِ سرَّ عبيرِها وضيائها
مَن راحَ مخموراً ببنتِ دوالي
ظهَرَتْ على مُلْكِ الزَّمانِ براحِها
ورَمَتْ مُلُوكَ الجِنِّ في الأغلالِ
وسرى بها موسى إلى قَبَسِ الهدى
وسَقَى لأهلِ الخيرِ والإقبالِ
وبها تتابَعَتِ العصورُ وجَلْجَلَت
أجراسُ يوحنا لصوتِ بلالِ
يا شامُ أسرَجنا مصابيحَ الدُّجى
فاسودَّ وجهُ مُضلِّلٍ محتالِ
فَتَنسَّمي عينَ الحياةِ وجهّزي
لعظيمِ ملحمةٍ بخيرِ رجالِ
وتهيّئي للقادماتِ وسدّدي
في قلبِ كلّ رَجِيمَةٍ وضلالِ
مُدّي جناحَي عزّةٍ وكرَامةٍ
واستنزلي غوثَ الجَنابِ العالي
لا زِلْتِ من أسَدٍ إلى أسَدٍ إلى
مجدِ العرينِ وصيحةِ الآجالِ
من حِزقِيَالَ تخطّهُا أيقونةٌ
عَجُمَت سوى عن جحفلِ الأشبالِ
وأتت بحكمةِ مار مرقسَ حجّةً
وعجائباً عصَفَت بكلِّ جدالِ
ضَربَت على العادينَ ثوبَ مذَلّةٍ
في تيهِ مَسكَنةٍ وشرِّ خبَالِ
اللهُ أكبرُ يا بلاديَ أن ترَي
سيفَ الجهادِ على مزادِ بِغالِ
فَيَتِيهُ برذونٌ بطولِ نهيقهِ
ويَؤُرُّ تيسٌ في قطيعِ سخالِ
ويطوفُ مأبونٌ بلحيتهِ على
أزرارِ شرذمةٍ من الأرذالِ
فصغيرهم نهبٌ لكلّ مَذمّةٍ
وكبيرهم من كلِّ حمدٍ خالي
***
قد أرهقتنا طغمةٌ لا تستحي
فاستدرجيهم طعمةً لوَبالِ
واستولدي الأقدارَ من رَحِمِ القضا
بيديكِ حينَ تهزُّ بالغربالِ
ولَّتْ عهودُ الصبرِ في أمثالهم
وأتى زمانُ الخسفِ والزلزالِ
***
لا عشتُ إلا أن أراكِ عزيزةً
وأرى أعاديَكِ بأَسْوَءِ حالِ
يتلاعنونَ على مصائدِ ذُلّهم
ويُقرفِصونَ بمقمَعٍ سربالِ
معدودةٌ أيّامُهم ونفوسُهم
ملعونةٌ والفكرُ في بَلبَالِ
بُورِكتِ حينَ رميتِ رمحكِ في الدُّجى
وفقأتِ عينَ الأعورِ الدجّالِ
هذي قراءاتي جراحُ محارةٍ
ومشاعرٌ حُرُمٌ ولستُ أبالي
يسري بها ناموسُ كلّ فضيلةٍ
أنّى سرى بتصرّفِ الأحوالِ
لم تلْقَ نافثةٌ بها عُقداً سوى
ما دكَّ واقبَها بحملِ جِمَالِ
فخذوا رحيقي بلسماً لجراحِكم
أو فاتركوني في قديمِ ضلالي
الشاعر طائر الفينيق